في العلاقة بين الدين والسياسة: نظرية التمييز بين الدين والسياسة

 

نظرية التمييز بين الدين والسياسة

 

 

بين الموقف الداعي إلى وجوب فصل الدين عن السياسة والموقف المدافع عن وحدة الدين والسياسة، نجد موقف وسطي يدعو إلى التمييز بين الديني والسياسي. 

وتستند دعوى التمييز بين الدين والسياسة على التمييز بين التصرفات النبوية الدينية والتصرفات الدنيوية. إذ نجد في نصوص الأصوليين والفقهاء شواهد وأدلة عديدة على التمييز بين الدين والدنيا حيث استعمل المنظرون المسلمون تعبيرات كثيرة للدلالة على هذا التمييز منها التعبدي مقابل العادي، والديني مقابل المباح، والعبادي مقابل المصلحي، والتعبدي مقابل المصلحي. [1]

وقد احتوت التجربة التاريخية الإسلامية على نماذج عملية وتطبيقية للتمييز بين الدين والسياسة، نجدها لدى أصحاب الكتابات السياسية وفي الواقع التاريخي وهي التي تعرف في الغالب تمييزا بين الوظائف الدينية والوظائف الدنيوية. قام كثير من كتاب الفكر السياسي في الحضارة الإسلامية بالتمييز بوضوح بين المهام الدينية والدنيوية للمسؤول الأول في الدولة وقد شهدت الدولة المملوكية بالشام في القرن السابع للهجرة تقسيما للوظائف العامة إلى خمسة أصناف أحدهما الوظائف الدينية.[2]    

في تاريخنا المعاصر تبنت عدة حركات إسلامية  نظرية التمييز بين المجال الديني والسياسي كان آخرها حركة النهضة التونسية. في المغرب بدأ التوجه نحو التخصص الوظيفي داخل حركة التوحيد والإصلاح في بداية التسعينات. وكان الهدف منه بالخصوص القدرة على استيعاب مختلف مجالات الفعل الاجتماعي ورفع مستوى كفاءة الحضور فيه. وترسخ هذا التوجه داخل حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، الذي أصبح منذ سنة 1998 يسمى حزب العدالة والتنمية. وقد حدد مجلس شورى حركة التوحيد والإصلاح العلاقة بين الحركة والحزب. حيث اعتبر الدعوة والتربية والتكوين الوظائف الأساسية للحركة في حين يكون الحزب تنظيم سياسي يهتم بتدبير الشأن العام. وعبرت عن هذا التوجه وثيقة "المشاركة السياسية والعلاقة بين الحزب والحركة".[3]

في مصر كان لحركة الإخوان المسلمين أيضا تجربة في الفصل بين الحزب والحركة تمثلت في بعث حزب سياسي من داخل الحركة يكون بمثابة الجناح السياسي للحركة وهو حزب "الحرية والعدالة"، وقد فشلت هذه التجربة بسبب عدم استقلالية الحزب سياسيا وإيديولوجيا عن الجماعة.[4]

أما داخل حركة النهضة فقد طرحت مسألة الدعوي والسياسي منذ انتقال الحركة إلى العمل السياسي في نهاية السبعينات ثم عاد الجدل حول الموضوع عندما قررت قيادة الحركة المشاركة في انتخابات 1989. إلى أن أعادت الثورة التونسية طرح النقاش حول الدعوي والسياسي من جديد. وقد جاء في لائحة "سبل إدارة المشروع" الصادرة عن المؤتمر العاشر لحركة النهضة أن مشروع الحركة الإسلامية بدأ بحركة إحياء ديني للمجتمع، ومع تحول الحركة إلى حزب سياسي سنة 1981 طرحت إشكالية العلاقة بين الشأن المجتمعي والعمل السياسي، وعند مناقشة موضوع الدعوي والسياسي خلال مؤتمر 1986، تبنى هذا الأخير خيار العمل الدعوي. بعد أن خف التوتر حول موضوع الهوية بعد انقلاب 1987 توجهت أولويات الحركة إلى العمل السياسي الذي ترجم بالمشاركة في انتخابات 1989. أي أن حركة النهضة راوحت منذ تأسيسها بين العمل الدعوي والسياسي حسب طبيعة ومقتضيات كل مرحلة. وتضيف اللائحة أنه في ذلك الحين لم تختف إشكالية العلاقة بين "الدعوي" و"السياسي"، والتي أعيد طرحها بعد الثورة في إطار ما سمي ب"سبل تصريف المشروع"، حيث تقرر خلال المؤتمر العام التاسع للحركة تأجيل البت في الموضوع، على أن يتم عقد مؤتمر استثنائي بعد سنتين للبت في المسائل التي تم ترحيلها من المؤتمر التاسع. [5] وقد اعتبرت حركة النهضة في مؤتمرها العاشر في إطار تقييمها لتجربتها التاريخية واختياراتها السابقة أن "شمولية التنظيم" قد عادت بالسلب على عمل الحركة. حيث جاء في اللائحة التقييمية الصادرة عن المؤتمر العاشر: "لقد أريد للتنظيم أن يكون في الوقت ذاته تربويا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا وعلنيا وسريا واحتجاجيا.. وهذا مخالف لسنن الأشياء". تضيف اللائحة أن "شمولية التنظيم أدت إلى ضمور القطاعات والفضاءات الحيوية التي تشكل القوة الفعلية لمشروع الحركة، وارتهانها للتوجيه والضبط من المركز ولتقلبات العمل السياسي، وحرمانها من المبادرة والانتشار في الواقع".



[1]  العثماني (سعد الدين)، الدين والسياسة تمييزا لا فصل، الطبعة السادسة، دار كلمة للنشر والتوزيع، القاهرة 2010، ص 84-99.

 [2]العثماني (سعد الدين)، المرجع السابق، نفس الصفحة.

[3]  العثماني (سعد الدين)، المرجع السابق، ص 129 - 131.

[4] بالضيافي (منذر)، النهضة الهروب من المعبد الإخواني، الطبعة الأولى، مطبعة قرطاج، تونس مارس 2016، ص 177.

[5] لائحة "سبل إدارة المشروع" الصادرة عن المؤتمر العام العاشر لحزب حركة النهضة، الموقع الرسمي لحركة النهضة: www.ennahdha.tn.

إرسال تعليق

0 تعليقات