النخبة التونسية والدعوة إلى الغاء التنصيص على الإسلام كدين للدولة لعزل حركة النهضة




النخبة التونسية والدعوة إلى الغاء التنصيص على الإسلام كدين للدولة لعزل حركة النهضة



تناقش هذه الأيام مسألة حذف التنصيص على الإسلام كدين للدولة لعزل حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية من المشهد الحزبي. دون الخوض في مدى مقبولية هذا الأسلوب من الناحية القانونية والأخلاقية فإن هذا الطرح يحمل دلالات هامة عن جزء هام من النخبة التونسية السياسية والأكاديمية.    

يظهر هذا الطرح اصرار جزء من النخبة التونسية المناهضة لحركة النهضة على محاربة وجود الحركة بنفس الطريقة وبنفس الآليات المتبعة منذ الستينات، وهي المنع القانوني بإصدار نصوص قانونية على المقاس تفضي إلى منع الحركة من التواجد في المشهد السياسي والحزبي وذلك دون أي اعتبار للتجارب التاريخية السابقة ودون أي محاولة للاستفادة منها بل وبتكرار واضح لأخطاء الماضي. فالتضييق على الجماعة الإسلامية ورفض الترخيص لحركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حاليا) سنة 1981، لم يمنع الحركة من الوجود والعمل على أرض الواقع ما بين 1972 حتى 1989.  كما أن استهداف الحركة بالفصل الرابع من قانون الأحزاب لسنة 1989 بالتحجير على الأحزاب السياسية الاستناد على مرجعية دينية، لم يمنع حركة الاتجاه الإسلامي التي تغيرت تسميتها إلى حركة النهضة من مواصلة النشاط السياسي كحزب ذو مرجعية إسلامية إلى حدود إصدار قانون جديد ينظم الأحزاب السياسية سنة 2011 . حتى التجربة المصرية التي اعتمدت أقصى الطرق للقضاء على وجود حركة الإخوان لحد التصفية الجسدية لا تزال بعد 8 سنوات تخوض نفس المعركة بمحاربة طيف الإخوان المسلمين الذين قضوا عليهم ظاهريا قبل 8 سنوات، وكان اللجوء الأخير لعمل درامي (اعتبره الجمهور كوميدي) بهدف تبرير انقلاب 2013 على السلطة اثباتا لتواصل المعركة حول وجود حركة الإخوان المسلمين كفكرة وتنظيم بين مؤيديها ومعارضيها.    

من جهة أخرى يبين سعي هذه الفئة لعزل حركة النهضة من الحياة السياسية إلى تجاهلها لفئة كبيرة من الشعب التونسي. حيث يأتي هذا الطرح في تجاهل تام للامتداد الشعبي للحركة، التي حصلت، في ثلاث محطات انتخابية أقيمت بعد ثورة شعبية على نظام سياسي منعت في ظله الحركة من النشاط العلني القانوني ونظمتها هيئة مستقلة أمام مراقبين محليين ودوليين، على معدل 40 بالمائة من المقاعد. لم ينتبه دعاة هذا الرأي إلى القاعدة الشعبية الهامة والمنضبطة والدائمة التي تمتلكها حركة النهضة التي تعتبر اليوم الحزب الوحيد تقريبا الذي حافظ على شعبيته وتماسكه على امتداد عشر سنوات. لا يعتبر مؤييدوا هذا التوجه أن 40 بالمائة من أصوات الناخبين رقم هام يمثل فئة هامة من الشعب التونسي جديرة باحترام رأيها وميولاتها السياسية والفكرية. تظهر النخبة الداعية لهذا القرار والداعمة له نفسها متعالية بعيدة عن واقع مجتمعها تريد تشكيل المجتمع حسب نظرتها الضيقة. تريد هذه النخبة قلب الموازين فعوض أن تنتج القوانين من طبيعة المجتمع يصبح القانون آلية لتحديد طبيعة المجتمع.    

أيضا تبدو هذه النخبة جاهلة بطبيعة الحركة التي تريد إقصاءها من الحياة الحزبية والسياسية. تضن النخبة السياسية أن إلغاء الإسلام كدين للدولة سيمكنها من منع حركة النهضة من النشاط كتنظيم ذو مرجعية إسلامية، ولا يضع  دعاة هذا الرأي في الحسبان طبيعة الحزب الذي أثبت في مناسبات عديدة قدرة كبيرة على التكيف السياسي، ويعتبر التكيف السياسي من خصائص الحركات الإخوانية. يتناسى مهندسي هذا القرار أن حركة النهضة أقدمت على عدة مراجعات في مواقفها ووسائل عملها تكيفا مع الواقع الإجتماعي والسياسي دون أن تفقد انتماءها للحركات الإسلامية. فقد تحولت الحركة سنة 1981 إلى حزب سياسي تفاعلا مع قرار بورقيبة للسماح بالتعددية الحزبية. وغيرت إسم الحزب من حركة الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة امتثالا لقانون الأحزاب الذي أقره بن علي سنة 1989 والذي يمنع تكوين أحزاب على أسس دينية. كما تخلت كليا عن النشاط الدعوي لصالح التخصص في العمل السياسي في مؤتمرها العاشر الذي أقيم بعد الثورة التونسية. هذا بالإضافة إلى التغير الجذري في مواقف الحركة من جملة من المسائل كالديمقراطية والتعددية والحقوق والحريات منذ نشأتها إلى اليوم، والأهم التنازلات السياسية التي أقدمت عليها الحركة بمناسبة كتابة الدستور وخلال حكمها مما جعلها تتميز على بقية الأحزاب السياسية ببراغماتية عالية أحرجت بها في مناسبات عديدة معارضيها داخليا وخارجيا. كان على هذه النخبة دراسة الحركة قبل التفكير في طريقة عزلها عن الحياة السياسية وكان يكفيها الإطلاع على تعريف مؤسس حركة النهضة راشد الغنوشي للحركة الإسلامية التي يعرفها في كتابه "الحركة الإسلامية ومسألة التغيير" بأنها "جملة النشاط المنبعث بدوافع الإسلام لتحقيق أهدافه، وتحقيق التجدد المستمر له من أجل ضبط الواقع وتوجيهه أبدا، وذلك نظرا لأن الإسلام جاء لكل زمان ومكان... وبناءا عليه فإن أهداف الحركة الإسلامية، واستراتيجياتها ووسائل عملها ستختلف باختلاف الزمان والمكان". كان يكفي هذا التعريف لتعلم هذه النخبة أنها ستخسر الرهان ككل مرة منذ أن اتخذت من معارضة وجود حركة النهضة سببا لوجودها.  

إرسال تعليق

0 تعليقات