تغليب "المصلحة" كأحد أسباب فشل تحركات قطاع الحقوق في تحقيق التغيير

  تغليب "المصلحة" كأحد أسباب فشل تحركات قطاع الحقوق في تحقيق التغيير

 

كل سنة تقريبا يشهد قطاع الحقوق عدة تحركات احتجاجية ضد التهميش والبطالة غير أنها لم تثمر حتى الآن. فالآفاق أمام أصحاب شهادة القانون تنسد أكثر فأكثر بداية بفرض المناظرات الوطنية إلى إغلاقها الواحدة تلو الأخرى... وقد أصبح من الضروري اليوم تقييم هذه التحركات والنظر في أسباب فشلها رغم تعددها.

إن أحد أسباب فشل التحركات السابقة والذي نراه يتكرر هذه المرة أيضا هو التشتت في صفوف الطلبة والخريجين. هذا التشتت هو نتيجة تغليب المصلحة الشخصية الفئوية على مبدأ الحق، والواضح هو سعي كل فئة إلى تحقيق مصلحتها على حساب البقية.  

ما يلاحظ في كل تحرك احتجاجي نزعة التعالي والأنانية ونكران الحقيقة من عديد الأشخاص من مستوى الماجستير والدكتوراه. أمام العدد الكبير للعاطلين عن العمل يخشى الكثيرين أن تكون مطالبهم غير قابلة للتحقيق. بمعنى أنهم يستصعبون ويستبعدون إيجاد حل لتشغيل أكثر من 8000 عاطل عن العمل. الانتداب وإن تم فسيكون بعدد محدود، وتحرير المهن الحرة تعني ارتفاع عدد المباشرين وهو ما يخيف الكثيرين خاصة وهم يرون وضع المحامين الذين أصبحوا يتجهون إلى مهنة القضاء لتأمين وضعهم المعيشي. أمام هذه النتيجة التي تبدو حتمية حسب هذا السيناريو الذي يدور بذهن العديد فإن هؤلاء وضعوا راية الحق ورفعوا راية المصلحة. التفكير في المصلحة جعل أصحاب شهادة الدكتوراه يستنكرون على أصحاب شهادة الماجستير المطالبة بحقهم في مزاولة مهنة المحاماة والعدول دون خوض مناظرة محدودة العدد ويرون أنفسهم بالطبع الأولى بهذه الغنيمة. أصحاب شهادة الماجستير بدورهم ليسوا بهذا الغباء حتى يقعوا في فخ الدكاترة ويسمحوا لهم باستعمالهم لتحقيق مطالبهم فنجدهم يستميتون في الدفاع عن حقهم الشرعي في مزاولة المهن الحرة، لكنهم من جهة أخرى مقتنعون بضرورة الحفاظ على المناظرات الوطنية كآلية فرز إذا ما تعلق الأمر بأصحاب الإجازة الذين يتساءلون عن سبب دعوتهم لرفع مطالب لا تغير في واقعهم شيئا. وحتى فيما يتعلق بشرط السن الأقصى فإن العديد من الطلبة ومن المتخرجين حديثا غير مقتنعين بضرورة إلغاءه لأنه سيسمح لهم بإقصاء عدد كبير من المتخرجين السابقين.   

غير أن الانقسام حول شرط السن الأقصى غير معلن كالحالة التناحر بين مستويات الإجازة والماجستير والدكتوراه، وحجة الكل هنا هو ضعف التكوين بالنسبة للمستوى الأدنى منه والحفاظ على حقوق المتقاضين، وهي حجة مردودة على أصحابها. فقطاع الحقوق ليس بالقطاع الحساس كما يروج له دائما، وبالمقارنة مع بقية المهن (طب، هندسة...) فإن مجال القانون يتميز بإمكانية التدارك والتعديل وإصلاح الخطأ بما يضمن حقوق المتقاضين، كما أنه من المعلوم للجميع أن مزاولة أية مهنة اليوم تكون بعد إجراء تربص مدته أحيانا محددة بالقانون. من جهة أخرى فإن التحجج بضعف التكوين لدى صاحب شهادة القانون وخاصة فيما يتعلق بأصحاب الإجازة لدرجة عدم السماح لهم بمزاولة أي مهنة هو ظلم كبير لهؤلاء. فنظام ل.م.د يطبق في أغلب إن لم يكن كل بلدان العالم اليوم وأصبح أمر واقع. أيضا القول بأن أصحاب الإجازة في تونس من قطاع الحقوق تكوينهم ضعيف هو فقط لغو من قبل الدكاترة وأصحاب الماجستير وبعض المهنيين ليس له أساس علمي إنما هو فقط تقييم شخصي ومجرد إشاعة يروجونها لغاية في نفوسهم إذ أنه غير مبني على دراسة علمية تبين فعلا أن أصحاب الإجازة غير قادرين على مزاولة مهنة المحاماة أو العدول وغيرها. كما أنه إذا ما سلمنا بأن أصحاب الإجازة تكوينهم ضعيف فهذا ينطبق أيضا على الماجستير المنبثقة عن الإجازة والدكتوراه المتوجة للتكوين الجامعي من إجازة وماجستير، بحيث يصبح من حق المجموعة الوطنية اليوم المطالبة بعدم تعيين الدكاترة في الجامعة كأساتذة ومنع أصحاب الماجستير من التدريس بصفة عرضية، بناءا على حجتهم وهي ضعف التكوين. فلماذا يحرم صاحب الإجازة من معادلة شهادته مع شهادة الأستاذية في النظام القديم في حين تحافظ شهادة الماجستير والدكتوراه في نظام ل.م.د على نفس قيمة الماجستير والدكتوراه من النظام القديم؟؟؟؟    

إرسال تعليق

0 تعليقات