الحملة الانتخابية القائمة للانتخابات التشريعية بتونس تعيد التساؤل حول مدى أهمية دور الأحزاب السياسية في دولة ديمقراطية


الحملة الانتخابية القائمة للانتخابات التشريعية بتونس تعيد التساؤل حول مدى أهمية دور الأحزاب السياسية في دولة ديمقراطية

 

 




ما أثارته الحملة الانتخابية التشريعية القائمة بتونس من استهجان وسخرية من قبل أغلب مكونات الشعب التونسي بسبب شعاراتها الغريبة (وإن كان العديد منها مفبرك) ومرشحيها الغير متحزبين أغلبهم، تدعونا إلى التساؤل مرة أخرى حول مدى أهمية الأحزاب السياسية في دولة ديمقراطية؟

تأتي هذه الانتخابات التشريعية في ظروف غير عادية، في ضل أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية لتثير عدة إشكاليات منها القانونية. كما أن هذه الانتخابات القائمة على الأفراد جاءت بعد 12 سنة من قيام الثورة التونسية التي أطاحت بنظام بن علي. خلال هذه الفترة تنامى الرفض الشعبي للسياسيين عموما والأحزاب السياسية بصفة خاصة، وقد تعرضت الأحزاب السياسية الحاكمة خاصة وأعضاء المجالس النيابية الثلاث المنتخبة بعد 2011 لحملات شيطنة واتهامات بالفساد والركض وراء المصلحة الخاصة لهم ولعائلاتهم والعمل لصالح أطراف خارجية، وكنتيجة لفشل الطبقة السياسية في قيادة المرحلة، أصبح هناك فئة كبيرة مقتنعة بضرورة التخلي عن الأحزاب السياسية كونها أصل كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وإن كان لابد من تركيز مجلس نيابي فليكن الانتخاب على الأفراد عوض القائمات حتى نتمكن من إقصاء كل الفاسدين والغير أكفاء المنضوين تحت راية الأحزاب السياسية.

لكن ما يغفل عنه عامة الشعب، والتضليل الإعلامي له دور كبير في ذلك، هو أن الدولة الديمقراطية خلافا للدول الدكتاتورية لا يمكن أن تقوم دون أحزاب سياسية. فالأحزاب السياسية دورها أساسي في تركيز دولة ديمقراطية قائمة على مؤسسات صلبة وللأحزاب ايجابيات عديدة بالنسبة للدولة كمؤسسة وبالنسبة للمجتمع. في هذا المقال، الموجه أساسا لمن له ثقافة محدودة في مجال السياسة والعلوم السياسية، سنحاول في بعض النقاط تبسيط دور الأحزاب السياسية وبيان أهميتها بالنسبة لدولة ديمقراطية.    

* الحزب السياسي هو مؤسسة تضم مجموعة من المواطنين يحملون نفس الأفكار والآراء ويريدون تجسيدها واقعيا في إطار الدولة. هنا تكمن أهمية الأحزاب السياسية بالنسبة للدولة والمجتمع من جهة حيث تصبح لدينا صورة واضحة عن التيارات الفكرية المتواجدة في الدولة ومكانة كل تيار من حيث عدد المنتمين وفئاتهم العمرية والطبقة الإجتماعية... كما تؤدي الأحزاب السياسية إلى إعطاء الأهمية اللازمة للأفكار والتوجهات السياسية عكس ما يؤول إليه الأمر في غياب الأحزاب السياسية من إعلاء قيمة الأشخاص على حساب الرأي والفكر، وبالنسبة للفرد من جهة أخرى الذي يتمكن من إيجاد إطار مؤسساتي فاعل يساعده بإمكانياته في العمل على نشر أفكاره وتحقيقها واقعيا وهو ما يعجز عليه بمفرده خاصة في غياب الإمكانيات المالية.            

** الحزب السياسي له نفس الهيكلة المؤسساتية للدولة بحيث يمثل نواة مصغرة من الدولة، فكما تتكون الدولة من سلطة تنفيذية وأخرى تشريعية، أيضا يتكون الحزب من مؤسسة تنفيذية بنفس مكونات المؤسسة التنفيذية للدولة أي رئيس جمهورية وحكومة مقابلها رئيس الحزب ومكتب تنفيذي، ومؤسسة تشريعية تختلف تسميتها من حزب لآخر. هذا التطابق في الهيكلة بين الحزب والدولة يجعل من الحزب مثال مصغر من الدولة يتدرب داخلها السياسي على طريقة عمل وتسيير الدولة. أي أن الحزب السياسي له دور في اكتساب الخبرة في الحكم،  فيكون بالتالي الشخص المتحزب أفضل من الشخص المستقل الذي لم يسبق له التعرف على كيفية عمل المؤسسات السياسية.

*** أيضا الحزب السياسي يتوزع بفروعه الجهوية والمحلية على كامل التراب الوطني مما يساعد على تدعيم الوحدة الوطنية ظاهريا وفعليا حيث أن الأعضاء الفائزين من الحزب سيعملون لأجل استمالة الناخبين من بقية الجهات على الاهتمام بمختلف الجهات وهو مايدعم الوحدة الوطنية على العكس تماما في ضل نظام انتخابي قائم على الأفراد ويدعم الغير متحزبين يؤدي إلى ظهور النزعة الجهوية وعوض أن يجد النائب الدعم من بقية أفراد حزبه في الدفاع عن قضايا جهته فإنه على العكس سيسود التنازع بين الجهات. 

**** الحزب السياسي له من الإمكانيات المالية والفنية ما يجعله على دراية مسبقة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للدولة ومكانتها ودورها الإقليمي والدولي  وبالتالي هو قادر على تجهيز برنامج انتخابي قابل للتنفيذ ويستجيب لتطلعات الشعب. هذه الإمكانيات لا تتوفر لدى المستقلين الذين يريدون تسيير البلاد لأن معلوماتهم تضل محدودة أحيانا بمجال تخصصهم الأكاديمي فقط وبالتالي تكون وعودهم الانتخابية وان كانت صادقة فإنها غير قابلة للتطبيق.      

إرسال تعليق

0 تعليقات