تداعيات غياب التداول على القيادة داخل الحركات الإخوانية: الإخوان المسلمين وحركة النهضة

 تأثير غياب التداول على القيادة داخل الحركات الإخوانية: الإخوان المسلمين وحركة النهضة

 

 

الركود في هياكل القيادة لدى الحركة الإسلامية المعاصرة تفرع عنه بعض المفاهيم الحركية الخطيرة في مسألة الطاعة والانقياد والبيعة. رغم كثرة الحديث في الحركة الإسلامية عن الشورى ووجوبها وعن حرية الرأي والتفكير في الإسلام، إلا أن واقع الأمر داخل معظم الحركات الإسلامية لا ينبأ بأن القيادة تصف لصالح هذا التوجه الذي بات دعائيا أكثر منه واقعيا.[1]

        إن الحركات الإسلامية تتميز بمركزية القرار داخلها حيث يتعين على قواعدها الانضباط والطاعة لأوامر قيادييها، وهو ما تثبته دراسة أسلوب التجنيد السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، حيث تمثل الطاعة والالتزام التام بالأوامر والواجبات التي تحددها الجماعة أحد العوامل المهمة لتجنيد العضو وتصعيده من درجة إلى أخرى[2]. يعود هذا التركيز حول إلزامية الطاعة داخل التنظيم إلى الربط بين بعض أقوال النبي حول الإمارة والبيعة والطاعة وبين وجوب طاعة وبيعة قادة التنظيمات في الحركة كقول رسول الله "من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني"[3].

        قام أحميدة النيفر أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية في تونس بانتقاد هذه المسألة في مقال له بمجلة المعرفة. انتقد النيفر "الإمعية" و"التبعية" في الفكر والسلوك و"المشيخية " في القيادة. تعني الإمعية تربية نموذج بشري بعيد عن الفساد السائد في المجتمع ولكنه عاجز على أن يكون متحررا داخل الجماعة. استند في ذلك إلى على أن الرسول كانت له القيادة ولكنه لم يحطم شخصيات الصحابة وكانت له الإمارة ولم يصنع إمعة واحدة. أما في عصرنا فقد كون كل قائد/شيخ باسم مبدأ الإمارة "مدرسة" طبعها بطابعه وفكره ومزاجه. ووراءه أتباع مهزومون في الغالب متمردون منشقون أحيانا، منحرفون حتما بعد وفاته.[4]

        لقد عمدت الحركات الإخوانية لترسيخ مبدأ الولاء والطاعة إلى اعتماد بناء تنظيمي معقد يتم فيه منح العضوية بصفة متدرجة وعبر مراحل تعتبر طويلة نسبيا، يخضع العضو خلالها إلى تكوين نوعي متناسب مع المهام التي سيتولاها فيما بعد. تم تقسيم درجات العضوية داخل جماعة الإخوان المسلمين كما يلي: الانضمام العام و يسمى الأخ في هذه المرتبة أخا مساعدا. ثم الانضمام الأخوي ويكون فيه العضو أخا منتسبا. يليه الانضمام العملي الذي يصبح فيه العضو أخا عاملا، وفي الأخير الانضمام الجهادي وهو حق العضو العامل الذي يثبت لمكتب الإرشاد محافظته على واجباته السابقة.[5]

        إنه بناء تنظيمي اعتمدته أغلب التنظيمات الإخوانية فالجماعة الإسلامية بتونس قسمت بدورها درجات العضوية إلى عضو الدائرة التي تضم من خمسة إلى ثمانية أعضاء، ثم الأسرة المفتوحة فالأسرة الملتزمة، مع عدم اطلاع كل مستوى تنظيمي على ماهو أعلى منه.[6]

        غير أنها كانت تقر ضمن هياكلها القيادية باعتماد إجراءات ديمقراطية مثل انتخاب مجلس الشورى وأمير الحركة في إطار المؤتمر العام الذي تعتبره أعلى سلطة قرار داخل الجماعة خلافا لحركة الإخوان المسلمين التي لم يذكر نظامها العام الصادر سنة 1928 المؤتمر العام ضمن الهياكل الرئيسية للجماعة، كما تخلت الجماعة الإسلامية عند الإعلان عن تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي عن التسميات الحركية القديمة كأمير الحركة ونائب أمير ووكيل مقابل التسميات المعتمدة داخل الأحزاب السياسية الحديثة كرئيس الحركة والأمين العام للحركة إلا أنها بقيت تراوح بين الحزب والحركة بين السرية والعلنية بحيث تواصل تأثير الفكر الحركي على هيكلة وأسلوب عمل الحركة.

تطرقت الحركة في مؤتمرها العاشر إلى مسألة البناء التنظيمي للحركة. جاء في وثيقة الإعداد المضموني للمؤتمر العاشر أنه "لا يزال أمام الحركة تحدي بناء التنظيم العصري، القادر على الانفتاح على مختلف الفئات الشعبية والاجتماعية وخاصة الشباب والمرأة وهو ما يتطلب تجديدا هيكليا"، كما جاء لاحقا في اللائحة الهيكلية والتنظيمية انه قد "بدا الفرق واضحا في الممارسة السياسية بين مقتضيات العمل العلني الذي فتحت أبوابه الثورة واستحقاقاتها وبين اكراهات العمل السري الذي كان سائدا بأشكال متنوعة ومتعددة قبلها. فرضت هذه التطورات الجوهرية على الأحزاب والحركات مواكبتها ومجاراتها...".

        غير أن الإصلاحات الهيكلية والتنظيمية التي قامت بها حركة النهضة لم تقطع نهائيا مع مبادئ التنظيم الحركي حيث تجلت مظاهر تواصل تأثير الفكر الحركي على البناء التنظيمي لحزب حركة النهضة إضافة إلى انفتاحها الحذر على بقية مكونات المجتمع من خلال الديمقراطية الداخلية المحدودة.

اعترفت حركة النهضة في تقييمها لتجربتها، بقصور في دور مجلس الشورى من ناحية قيادة الحركة وباختلال العلاقة بينه وبين المكتب التنفيذي الذي هيمن على قيادة الحركة أمام عجز مجلس الشورى عن منع تجاوزات القيادة التنفيذية لقراراته وتوصياته. ورأت الحركة أنه يتحتم البحث عن صيغة لإقامة علاقة أكثر توازنا بين المؤسستين[7].

        غير أن النظام الأساسي المنقح من قبل المؤتمر العاشر، لا يقدم أي تغيير في مسألة العلاقة بين المؤسسة الشورية والمؤسسة التنفيذية. وقد تمت تقريبا المحافظة على نفس المهام المنصوص عليها في النظام الأساسي المصادق عليه خلال المؤتمر التاسع[8]. ما يعني تواصل هيمنة المؤسسة التنفيذية على قيادة الحركة.

        كما تعتبر حركة النهضة أن النزعة المفرطة نحو مركزة القرار وتوجيهه والتحكم فيه من قبل القيادة التنفيذية هو ما جعل المؤسسة الشورية في ملاحقة مستمرة للقرار[9]، ومع إعادة  انتخاب الرئيس السابق للحركة راشد الغنوشي رئيسا للحزب الذي يحظى بقيمة رمزية لدى مكونات الحركة، والذي يدل على غياب تداول على قيادة الحركة، لا يبدو أن حركة النهضة ستتجاوز بسهولة مركزية القرار. خاصة وأن راشد الغنوشي قد سبق له أن تجاوز رأي مؤسسات الحركة في اتخاذ بعض المواقف التي كان لها انعكاس كبير على وضع الحركة ومستقبلها، فعملية التوقيع على وثيقة الحوار الوطني دون تحفظ يوم 5 أكتوبر من قبل رئيس الحركة راشد الغنوشي كان فيها تجاوز لقرار مؤسسات الحركة التي كان تقديرها في تلك اللحظة أنه بالإمكان تحسين الشروط الواردة في الوثيقة[10].

        أيضا اعتبر راشد الغنوشي زمن ترأس حزبه للحكومة، الحاكم الفعلي لتونس. وأن كل القرارات تتخذ بإشرافه وتدبيره. أي أنه يلعب الدور الذي يلعبه المرشد في مصر. حيث بينت فترة حكم الإسلاميين في مصر وتونس وجود قرار سياسي برأسين، واحد مصدره القصر الحكومي والآخر مصدره "مكتب المرشد" بديع في مصر والغنوشي في تونس[11].

أما في خصوص محدودية حرية التفكير والتعبير ومسألة الالتزام فإنه يستنتج من خلال  طريقة عمل الكتلة البرلمانية داخل المجلس الوطني التأسيسي والذي تواصل بنفس الطريقة داخل مجلس نواب الشعب، ففي حين "وجدت كتل الأحزاب الأخرى صعوبة في الحفاظ على تماسكها. بدت حركة النهضة منظمة بشكل مخيف بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى بفضل عمليتها "الثنائية المراحل"واجتماعاتها الخارجية الفرعية والتصويت داخل مجلس الشورى، بالإضافة إلى الاجتماعات العادية ككتلة واحدة داخل المجلس الوطني التأسيسي، مما جنبها ما حصل مع أغلبية الأحزاب الأخرى التي انهارت انهيارا كاملا بسبب النزاعات الداخلية حول مواقف الحزب وتنظيمه"[12]. لقد حافظت حركة النهضة طيلة الفترة الإنتقالية على ممثليها داخل المجلس الوطني التأسيسي في حين شهدت بقية الأحزاب عدة انشقاقات أدت أحيانا إلى تفكك الحزب[13].

        هذه الشدة في التنظيم تواصلت داخل مجلس نواب الشعب حيث يضمن النظام الداخلي لكتلة الحركة للعضو بالكتلة التعبير عن رأيه والتصويت حسب قناعاته في الجلسات العامة في الكتلة ومؤسساتها في حين يكون ملزما داخل هياكل المجلس بالتصويت طبق الموقف الذي اتخذته الكتلة أو الحزب.[14]

        هذا التنظيم المحكم لحزب حركة النهضة وإن كانت له نتائج ايجابية على مستوى تماسك الحزب واستمراريته إلا أنه يعبر من جهة أخرى على تواصل تأثير الفكر الحركي الإخواني القائم على الالتزام وهرمية التنظيم ومركزية القرار الذي اعتمدته الحركة الإخوانية منذ نشأتها في بناءها الهيكلي والتنظيمي  والذي يتجلى أيضا من خلال الانفتاح الحذر لحركة النهضة التي تبقى حركة منغلقة.



[1] النفيسي (عبدالله فهد)، الحركة الإسلامية..ثغرات في الطريق، الطبعة الثانية، مكتبة آفاق، الكويت 2013، ص 88- 89.

[2] أبو عامود (محمد)، البناء التنظيمي لجماعات الإسلام السياسي في الوطن العربي وأثره في السلوك السياسي لهذه الجماعات (مصر كحالة للدراسة)، حماد (مجدي) وآخرون، الحركات الإسلامية والديمقراطية: دراسات في الفكر والممارسة، الطبعة الثانية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2001، ص 162.

[2] نفس المرجع، ص 162- 163.

[3] النفيسي (عبد الله فهد)، المرجع السابق، ص 89.

[4] القوماني (محمد)،من جماعة سرية إلى حزب في الحكم حركة النهضة تتطور سياسيا وتتردد فكريا، النيفر (حميدة) وآخرون، من الجماعة الإسلامية على حركة النهضة الإسلاميون في تونس مسيرة ألم وأمل،الإصلاح، جوان 2015، ص 57، الموقع: .www.alislahmag.com_

[5] أبو عامود (محمد)، المرجع السابق.

[6] العمدوني (لطفي)، الحركة الإسلامية في تونس أطوار من النشأة والمحاكمات السياسية الكبرى1965-1981، ص87.

[7] اللائحة التقييمية الصادرة عن المؤتمر العام العاشر لحزب حركة النهضة، الموقع الرسمي لحركة النهضة: www.ennahdha.tn.

[8] الفصول 23 و29 من النظام الأساسي لحزب حركة النهضة بعد تنقيحه من المؤتمر العام التاسع والفصول 29 و35 من النظام الأساسي لحزب حركة النهضة بعد تنقيحه من المؤتمر العام العاشر. 

[9] اللائحة التقييمية الصادرة عن المؤتمر العام العاشر لحزب حركة النهضة، الموقع الرسمي لحركة النهضة: www.ennahdha.tn.

[10] اللائحة التقييمية الصادرة عن المؤتمر العام العاشر لحزب حركة النهضة، الموقع الرسمي لحركة النهضة: www.ennahdha.tn.

[11] بالضيافي (منذر)، حركة النهضة الهروب من المعبد الإخواني، الطبعة الأولى، مطبعة قرطاج، تونس 2016، ص 94- 95.

[12] ماركس (مونيكا)، أي أسلوب اعتمدته حركة النهضة أثناء عملية صياغة الدستور التونسي: الإقناع الاكراه أو تقديم التنازلات؟، مركز بروكنجز الدوحة، فيفري 2014، ص 8 www.brookings.edu .

[13]  التغيرات الحاصلة للأحزاب السياسة خلال الفترة التأسيسية nedspo.blogspot.com 

[14] الفصول 7 و9 و14 من النظام الداخلي لكتلة حزب حركة النهضة، الموقع الرسمي لحركة النهضة: www.ennahdha.tn


إرسال تعليق

0 تعليقات