حركة النهضة: سعي متواصل للحصول على الاعتراف


حركة النهضة: سعي متواصل للحصول على الاعتراف

 

 

 

"وراء كافة أشكال الانخراط السياسي المتعددة

 ظاهرة دائمة هي ظاهرة البحث عن الهوية واعتراف الآخرين" أليساندرو بيرزورنو

 

في تونس لم يكفي عناصر "التيار الإسلامي" التنظم في حركة دعوية حتى تتحدد هويتهم  ويتم قبولهم ضمن مكونات المجتمع، فقد دفعت الظروف السياسية والاجتماعية بهم إلى الانتقال الدائم إلى أشكال تنظيمية عديدة وبهويات مختلفة.


1 بداية التنظم كانت ضمن "الجماعة الإسلامية" سنة 1972 التي اقتبست في هيكلتها ومرجعيتها وطريقة عملها من جماعة الإخوان المسلمين في مصر. كانت في البداية حركة دعوية علنية ثم اضطرها التضييق على نشاطها إلى الانتقال إلى العمل السري.

2 بعد انكشاف تنظيم الجماعة الإسلامية سنة 1980 وإعلان بورقيبة عن مشروع التعددية السياسية انتقل أعضاءها إلى العمل السياسي ضمن حزب سياسي أطلق عليه "حركة الاتجاه الإسلامي" دون التخلي عن النشاط الدعوي. لم يقتصر أعضاء الجماعة الإسلامية على التحول الهيكلي/الوظيفي فقط بل أقدموا على مراجعات فكرية هامة وجريئة، حيث تم ضمن حزب حركة الاتجاه الإسلامي تبني الديمقراطية والتعددية السياسية وتغيير الموقف المتخذ سابقا من مسألة حرية المرأة ومجلة الأحوال الشخصية... غير أن هذا التحول لم يشفع للحركة لدى نظام بورقيبة الذي رفض الترخيص لحزب "حركة الاتجاه الإسلامي" بالنشاط السياسي.

3 سنة 1989 بعد صدور قانون الأحزاب لسنة 1989 خلال فترة حكم نظام بن علي، تم تغيير اسم الحزب من "حركة الاتجاه الإسلامي" إلى "حركة النهضة" وذلك امتثالا لقانون الأحزاب الذي يمنع تأسيس أحزاب على أسس دينية غير أنها لم تحصل على الترخيص القانوني. بعد ذلك شهدت الحركة تغير جذري في موقفها من الحركة الإصلاحية التونسية والدولة القطرية الحديثة. كما شهدت البلاد أول تجربة للعمل المشترك بين حركة النهضة وبقية الأطياف السياسية ضمن هيئة 18 أكتوبر، وذلك في إطار النضال ضد نظام بن علي الاستبدادي، تقارب لم يفضي إلى حل مشكلة حركة النهضة المتمثلة في عدم الاعتراف بها ضمن مكونات المشهد السياسي منذ تأسيسها ليس فقط من قبل السلطة بل أيضا من قبل أغلب الأطياف السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي واصلت نضالها ضد الوجود السياسي لحركة النهضة بعد سقوط نظام بن علي.  

4 بعد ثورة 2010/2011 التي قطعت مع نظام الحزب الواحد وحققت التعددية والحرية، لم تحصل حركة النهضة على الاعتراف الكامل بها كأحد مكونات المجتمع وكان عليها السعي للحصول عليه. ولئن حصلت حركة النهضة على الاعتراف القانوني بها كحزب سياسي بعد إصدار قانون جديد للأحزاب السياسية يسمح للأحزاب ذات المرجعية الدينية بالنشاط، ورغم الاعتراف الشعبي الذي عبرت عنه صناديق الاقتراع في مختلف المحطات الانتخابية المنجزة بعد الثورة، فإنها وجدت معارضة شاسعة من قبل الإعلام والمجتمع المدني والأطراف السياسية المقابلة الرافضة لوجودها كحزب سياسي ذو مرجعية إسلامية ضمن مكونات المجتمع. وأمام الضغط الكبير الداخلي والخارجي الإقليمي والدولي واكراهات المسار الانتقالي قدمت حركة النهضة تنازلات عديدة للأطراف المقابلة وصلت حد التنازل عن السلطة. ثم بعد صدور دستور 2014 وخلال مؤتمرها العاشر سنة 2016 تخلت حركة النهضة نهائيا عن النشاط الدعوي لصالح التخصص في العمل السياسي وهو ما عبر عنه في الإعلام بالانتقال إلى "حزب سياسي مدني". خطوة كبيرة قامت بها حركة النهضة تتناسب مع طموحها السياسي وتعزز موقفها أمام الأطراف المناهضة لها وكان يفترض بها إنهاء الجدل حول الاعتراف بحركة النهضة كأحد مكونات المشهد السياسي إلا أن هذا الجدل لا يزال متواصلا إلى اليوم...     

         


إرسال تعليق

0 تعليقات