رئاسة الجمهورية والأزمة داخل السلطة التنفيذية في تونس


  






 رئاسة الجمهورية والأزمة داخل السلطة التنفيذية في تونس


تعتمد تونس ما بعد الثورة منذ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي نظام سياسي مختلط يكون فيه رئيس الجمهورية منتخب مباشرة من طرف الشعب بصلاحيات محدودة.  تطبيق هذا النظام على مستوى الواقع خلال الفترتين النيابيتين التاليتين لاعتماده أفضى إلى أزمة بين رأسي السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.  

 يتكرر المشهد في الفترة النيابية الثانية بشخصيات مختلفة، رئيس الجمهورية يطمح لمسك كامل للسلطة التنفيذية من خلال التحكم في رئيس الحكومة والتعامل معه كوزير أول في نظام رئاسي ومع تمسك رئيس الحكومة بصلاحياته الدستورية تنشأ الأزمة السياسية. وبسيناريو مشابه لما حدث خلال الفترة النيابية الأولى، فترة حكم الباجي قائد السبسي، حركة النهضة تساند رئيس الحكومة الذي سيمكنها من الحكم بطريقة غير مباشرة في حين تجد المعارضة فرصتها لتكون أكثر فاعلية بالاصطفاف إلى جانب رئيس الجمهورية. 

وإن كان الأمر مبررا خلال حكم الباجي قائد السبسي كونه شخصية سياسية بالأساس وهو مؤسس ورئيس أكبر حزب سياسي في البلاد استطاع من خلاله هزم حركة النهضة في انتخابات 2014 من الطبيعي أن يسعى إلى السيطرة على مراكز السلطة في الدولة، فإنه من غير المفهوم سعي قيس سعيد إلى التحكم في رئاسة الحكومة بتعلة اختياره للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة كونه شخصية مستقلة بعيدة عن السياسة جاءت من خارج الأحزاب السياسية ، ساندته أغلب الأحزاب الممثلة في البرلمان خلال الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية ضد خصمه نبيل القروي وكان يؤمل أن ينأى برئاسة الجمهورية عن التجاذبات السياسية وأن يكون على نفس المسافة من الجميع ويساهم في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء لا أن يصطف إلى جانب أحزاب معارضة هدفها واضح منذ إجراء أول انتخابات بعد الثورة وهو منع حركة النهضة  الفائزة في الانتخابات من مسك السلطة ضد ائتلاف حكومي بأغلبية مريحة قادر على تمرير قراراته وهو ما تحتاجه فعلا البلاد في فترة حرجة كهذه.  

يعزو البعض هذه الأزمة السياسية المتكررة إلى عدم تركيز المحكمة الدستورية، فهل يمكن حصر المشكل في عدم استكمال البناء المؤسساتي للنظام الجديد - مع أن كل من رئيس الجمهورية الحالي والسابق من رجال القانون، وقد سبق لقيس سعيد أن أدلى بموقفه في نفس المسألة موضوع الأزمة الراهنة وهي امتناع رئيس الجمهورية عن تنظيم جلسة أداء القسم للوزراء المنبثقين عن تحوير وزاري لصالح يوسف الشاهد رئيس الحكومة الأسبق-  أم أن هناك عدد كبير من الفاعلين السياسيين وفئات من الشعب لم تقطع بعد مع  النظام الرئاسي السابق وهو ما يشجع رئيس الجمهورية على خرق الدستور تحت غطاء من هؤلاء؟ ما السبب وراء دفع المعارضة لرئاسة الجمهورية في اتجاه الاستحواذ على السلطة التنفيذية؟ هل يمكن تفسير ذلك بعدم قدرة أحزاب المعارضة على الفوز بالانتخابات التشريعية وبالتالي الاصطفاف إلى جانب رئاسة الجمهورية - في ضل غياب شخصية من حركة النهضة قادرة على الفوز بهذا المنصب- فقط مناورة سياسية للحصول على مكاسب ظرفية؟          

 


  

 

 


إرسال تعليق

0 تعليقات