تونس: الجمهورية الثانية ومظاهر عدم القطع مع النظام الرئاسي

 



تونس: الجمهورية الثانية ومظاهر عدم القطع مع النظام الرئاسي٭






قطعت الجمهورية التونسية بعد المصادقة على الدستور الجديد سنة 2014، الذي تمت صياغته من قبل المجلس التأسيسي المنتخب يوم 23 أكتوبر 2011 على إثر أحداث ثورة 17 ديسمبر 2010،  مع النظام الرئاسي المعتمد في دستور دولة الاستقلال والمصادق عليه من قبل المجلس القومي التأسيسي سنة 1959، لصالح اعتماد نظام برلماني بغرفة واحدة تكون فيه صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من قبل الشعب محدودة جدا تتلخص في الخارجية والدفاع. 

غير أن سباق الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والمقررة يوم 15 ديسمبر من السنة الحالية،  قد أظهر أن إرث النظام الرئاسي لا يزال يحكم الذاكرة الجماعية، وأن الجمهورية الثانية بمجتمعها وفاعليها السياسيين لم تقطع بعد على مستوى الممارسة السياسية مع النظام الرئاسي الذي قطعت معه دستوريا. حيث تبرز مجموعة من المظاهر الارتباط الوثيق للدولة التونسية بمواطنيها وفاعليها السياسيين بالنظام الرئاسي. 


المنافسة الشديدة داخل الأحزاب على الترشح لرئاسة الجمهورية 

شكلت الانتخابات الرئاسية محور تنافس شديد داخل الأحزاب السياسية بين أعضاءها على الترشح لرئاسة الجمهورية. وبالرغم من ضآلة نسبة الفوز في الانتخابات الرئاسية مقارنة بالتشريعية إلا أن منصب رئيس الجمهورية بالنسبة للسياسيين التونسيين كانت له من الأهمية الكافية لأن يكون سبب انشقاقات وانقسامات داخل الأحزاب السياسية، وهو ما يكشف تواصل هيمنة النظام الرئاسي على الممارسة السياسية للسياسيين بحيث يكون حاضرا ضمن حساباتهم السياسية.

 

 

تفضيل السياسيين لمنصب رئاسة الجمهورية على منصب رئاسة الحكومة

يثير ترشح يوسف الشاهد رئيس الحكومة إلى انتخابات رئيس الجمهورية تساؤلا حول مدى تواصل هيمنة رئاسة الجمهورية على بقية مؤسسات الدولة السياسية بحيث يتعلق بها طموح رئيس حكومة يمتلك أغلب الصلاحيات في الدولة، ويمكن تفسير ذلك بالرمزية التي تحظى بها مؤسسة رئاسة الجمهورية في الدولة مقابل رمزية المؤسسات الأخرى.هذه الرمزية اكتسبتها رئاسة الجمهورية من النظام الرئاسي الذي حكم البلاد منذ الاستقلال.

 

ترشحات المستقلين

يفسر ترشح العديد من المستقلين، وخاصة الذين لم تكن لهم تجارب حزبية سابقة، بعدم قطع مكونات المجتمع بعد مع النظام الرئاسي، بحيث مازال منصب رئيس الجمهورية يحظى بأهمية كبيرة لدى التونسيين. فبالرغم من أن صلاحيات رئيس الجمهورية لم تعد تمس فعليا حياة التونسيين، إلا أن الارتباط الوثيق بالنظام الرئاسي لا يزال قائما في مخيال التونسي.

 

الخلاصة:

من خلال الانشقاقات داخل الأحزاب السياسية وانقساماتها، ومن خلال تفضيل تقلد منصب رئاسة الجمهورية على تقلد منصب رئاسة الحكومة الذي يسمح بالتغيير الفعلي في البلاد، بالإضافة إلى اهتمام جميع شرائح المجتمع بمؤسسة الرئاسة من خلال ترشحات المستقلين، نستنتج أن الجمهورية التونسية الجديدة لم تقطع بعد مع النظام الرئاسي الذي ظل قائما منذ الاستقلال إلى حدود انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011. 

 

 



  نشر سابقا بتاريخ 30 أغسطس 2019.   ٭

إرسال تعليق

0 تعليقات